قراءة فلسفية : في مفهوم الأخلاق .

 


” شيئان يملآن نفسي إعجابا واحتراما: السماء المرصعة بالنجوم فوقي والقانون الأخلاقي في أعماقي”

إمانويل كانط

1- مقدمة

تشكل الأخلاق ركنا أساسيا من أركان الوجود الاجتماعي، ونسقا حيويا في نسيج الحياة الإنسانية المعاصرة. فالأخلاق نظام من القيم يوجه حياة الفرد وينهض بها إلى أرقى مستوياتها الإنسانية. والإنسان لا يحقق جوهره الإنساني إلا في صورته الأخلاقية، لأنه الكائن الوحيد في مملكة الكائنات الحية الذي يضحي برغباته وميوله على مذابح السمو الأخلاقي، سعيا إلى تجسيد قيم الحق، والخير، والجمال، والشرف، والكرامة، والإيثار، والتسامح، والشجاعة، وكل القيم والفضائل التي تشكل جوهر الحياة الأخلاقية وغايتها.

لقد أقرّ المفكرون والباحثون، على مرّ التاريخ الإنساني، أن حياة المجتمعات الإنسانية لا تستقيم من غير القيم الأخلاقية، وذلك لأنها تشكل النسيج الحيوي لوجود الإنسان والمجتمع في آن واحد. ومن هذا المنطلق يمكن القول : إن غياب القيم الأخلاقية أو تدهورها يؤدي بالضرورة إلى تصدع المجتمع وانهياره وتداعيه. إذ لا يمكن أن تقوم للمجتمع قائمة، من غير القيم الأخلاقية، ومن غير الفضائل التي تضمن له التماسك والوحدة والقوة والانسجام، وقد عبر شوقي خير تعبير عن هذا التصور السوسيولوجي للعلاقة بين الحضارة والأخلاق بقوله:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت…… …….. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

لقد أدرك المفكرون، من كافة المشارب والمذاهب، أن القيم الأخلاقية ضرورية في المجتمع، وأنه من غير الأخلاق تذهب الحضارة الإنسانية وتندثر، ويفقد البشر صمام الأمن والأمان، وذلك لأن الحياة من غير القيم تجعل الإنسان خاضعا لنزواته الوحشية وغرائزه التدميرية، فيحل الخراب والدمار، وتغيب القيم الخلاقة التي تسمو بالإنسان وتنهض به إلى رحاب العطاء الإنساني.

وتأسيسا على هذا التصور، فرض البحث الأخلاقي نفسه مطلبا علميا وحضاريا للأمم والشعوب، وشكل هذا المطلب الحضاري منطلقا للدراسات الأخلاقية التي تبلورت في علم الأخلاق، وهو علم معياري يبحث في ما يجب أن يكون وفيما هو كائن على المستوى القيمي والأخلاقي في المجتمع الإنساني، وقد تشكّل هذا العلم تحت تأثير الاحتياجات الأخلاقية المتنامية للمجتمع، حيث يقوم على دراسة الأنظمة الأخلاقية والفضائل والقيم كما يقوم على دراسة أفعال الإنسان من حيث اتصافها بالفضيلة والرذيلة أو من حيث انسجامها مع الضمير الأخلاقي للمجتمع.

وعلى الرغم من التطور التاريخي الكبير للمسألة الأخلاقية عبر التاريخ، فإن الإشكاليات الأخلاقية ما زالت تطرح نفسها بقوة كبيرة في هذا الميدان، وما زالت المباحث الأخلاقية نهبا للصراع الفلسفي والأيديولوجي بين مختلف النظريات والتيارات الفكرية الأخلاقية. وقد أدت هذه التناقضات والصراعات الأيديولوجية إلى تراكم في نسق المفاهيم والدلالات التي تتعلق بمفهوم الأخلاق ذاته، وأصبح مفهوم الأخلاق ذاته يعاني من الغموض والالتباس نظرا للتنوع الكبير في النظرة إليه وتحميله فيضا من التصورات الأيديولوجية المتناقضة. وإذا كان مفهوم الأخلاق يشمل عددا كبيرا من المفاهيم الفرعية فإن هذه المفاهيم الفرعية أيضا وقعت في دائرة التشاكل الفكري وأصبحت عرضة للتفسيرات المختلفة. وفي دائرة هذا كله أصبح من الصعوبة بمكان تقديم رؤية منظمة متناسقة لمفهوم الأخلاق بمضامينه الفرعية المتنوعة.

وتأسيسا على هذه الصورة فإن الدراسة الحالية تشكل محاولة علمية لإعادة بناء المفهوم الأخلاقي بمضامينه في دائرة التناسق وتحريره من الغموض الكبير الذي يحاصره، كما أنها تمثل سعيا متواضعا لتنظيم المفاهيم الفرعية وتقديمها بصورة واضحة تتكامل فيما بينها وفيما بين مفهوم الأخلاق بوصفه الإطار العام لهذه المفاهيم.

2- إشكالية المفهوم:

تكمن وظيفة المفاهيم في عملية إضاءة الواقع وتنظيمه، فالمفاهيم إشارات ورموز تمكّن الإنسان من والتعقل والتحكم والسيطرة، وهي أدوات تجعل الإنسان قادرا على اكتناه الكون وتحليله وتفكيكه وفهمه. وفي ظل هذه القوة الهائلة للمفاهيم عمل المفكرون منذ بداية التاريخ على إبداعها وإنتاجها وصقلها في مواجهة التحدي المعرفي سبيلا إلى اكتناه العالم على نحو عقلي مطلق.

كانت المفاهيم في بداية تشكلها تقوم بوظيفتها الأساسية الماثلة في تشخيص الواقع وتجريده وتحويله إلى عالم المقولات على صورة أفكار وتصورات مطابقة إلى حدّ كبير لتعينات الواقع وشواخصه الحية، ولكن الفكر الإنساني قد بلغ حدا كبيرا من خصوبة الإنتاج في مجال المفاهيم، حتى أصبحت المفاهيم ذاتها أكثر غنى من الواقع نفسه، وقد أدت هذه الغزارة الإبداعية إلى تداخل هذه المفاهيم وتشابكها وتعقدها. وفي مرحلة لاحقة بدأت هذه المفاهيم تنفصل عن الواقع تدرجيا وتدور في أفلاكها وأبراجها الخاصة بها، فأضفى هذا الأمر نوعا جديدا من التعقيد الكبير في تناولها وفهمها. وقد فرض هذا الانفصال تحديا معرفيا جديدا حيث تحولت هذه المفاهيم ذاتها إلى مفاهيم غامضة جدا وإلى واقع ذهني جديد تصعب إنارته لشدة الاستنارة فيه وسطوع الأضواء. وهذا يعني أن المفاهيم ذاتها قد تحولت إلى إشكالية يصعب الخوض فيه، وتجلت في صورة واقع مجرد يصعب اكتناه معطياتها العقلية ودلالاته الفكرية.

 لقد أنتج المفكرون فيضا من المفاهيم يتجاوز حدود الحاجة إليها في فهم الواقع، أصبحت هذه المفاهيم مع الزمن أكثر ابتعادا عن الواقع تائهة في سديم من المعاني والدلالات المتتاخمة والمتداخلة والمتقاطعة أيضا؛ لقد انفصلت هذه المفاهيم عن الواقع الذي تريد إضاءته وضاعت في متاهات التفكير الإنساني المطلق المجرد ذاته، وأصبحت نفسها في أمس الحاجة إلى العقلنة الواقعية، وهذا يعني أن هذه المفاهيم التي تحلق فوق الواقع وتعيش في أبراجها العاجية تحتاج اليوم إلى الارتباط بالواقع الذي انبثقت وصدرت عنه نتيجة للغموض الذي اكتنفها في دائرة التحليق والدوران حول ذاتها وفقدان المحور الذي يربطها بالواقع العملي نفسه.

ويعد مفهوم الأخلاق من المفاهيم المجردة التي بالغت في الدوران حول ذاتها، ففقدت كثيرا من قدرتها على الإنارة والاستنارة نتيجة للتجريد الهائل والتوالد الذاتي المنفصل عن الواقع الذي تعبر عنه. فأصبح الخوض في مفهوم الأخلاق خوضا إشكاليا نتيجة لغزارة المفاهيم الأخلاقية الفرعية التي تراكمت وتقاطعت وتداخلت بصورة تنعدم فيها القدرة على إدراك الغايات والمرامي الأساسية لهذه المفاهيم في سياق تفاعلها وتكاملها.

وتأسيسا على هذه الصورة، يمكن القول، بأن مفهوم الأخلاق قد أصبح، بما ينطوي عليه من دلالات ومعاني فرعية، شديد الغموض يضع المتأمل في حالة من الحيرة، ويشعره بعدم القدرة على فهم العلاقة بين هذه المفاهيم الفرعية بتقاطعاتها ودلالاتها الواقعية،

وعندما ننظر نظرة واقعية إلى مفاهيم الأخلاق الفرعية سنجد أنفسنا إزاء تنوع كبير يخرج من دائرة الضبط والسيطرة، إذ يمكن للمتأمل أن يقع على مفاهيم فرعية عددية مثل:، الشرف الكرامة، الواجب، الضمير، الخير والشر، الفضيلة، علم الأخلاق، القيمة الأخلاقية، الأخلاق المهنية، الأنا الأعلى. وهذه المفاهيم متداخلة متقاطعة بصورة كبيرة، وهذا التقاطع والتداخل يأخذ صورة أكثر تعقيدا عندما نتأمل في النظريات والأفكار التي تتعلق بالأخلاق عبر التاريخ الإنساني. فهذه النظريات تتداخل تداخلا غريبا في دلالاتها ومعانيها ومعطياتها الفكرية والذهنية، فهناك النظريات المثالية والنفعية والوجودية والاجتماعية والعقلية والدينية والأنتروبولوجية التي تتناول المسألة الأخلاقية وتقدم تصورات مختلفة ومتقاطعة ومتضاربة حول مفهوم الأخلاق ودلالاته.

ومن هذا المنطلق فإن دراستنا المتواضعة تتحرك في فلك هذا المفهوم بما ينطوي عليه من مفاهيم فرعية لإضفاء طابع التنظيم والتصنيف في محاولة للربط بين مفهوم الأخلاق وبين الواقع من جهة، وبين هذا المفهوم والمفاهيم الفرعية التي ينطوي عليها من جهة أخرى.

وتأسيسا على هذه الغاية فإن الدراسة تحاول أن تقدم إجابات واضحة عن الأسئلة التالية:

-ما دلالات المفهوم الأخلاقي في الثقافتين العربية والغربية؟

– ما أهم السمات الأساسية لهذا المفهوم عبر النظريات الفكرية والمدارس الفلسفية؟

– ما حدود ومرتكزات المفاهيم الفرعية للأخلاق: الخير، والواجب، والضمير، الأخلاق المهنية، القيم، القانون، وما العلاقة القائمة بين هذه المفاهيم في إطار المفهوم العام “الأخلاق”؟

-ما مصدر القيمة الأخلاقية وفقا للنظريات والمدارس الفكرية الفلسفية؟

هذه الأسئلة تشكل محور دراستنا هذه التي تهدف إلى إضاءة جديدة لهذه المفاهيم استجلاء للغموض الكامن فيها في مسعى يمكن المتأمل من فهمها خارج دائرة التناقض والتداخل والتقاطع.

3- في مفهوم الأخلاق:

الأخلاق منظومة من القيم والمعايير السلوكية التي يرتضيها المجتمع لنفسه وأفراده نشدانا لفضائل الحق والخير والجمال، وهي من حيث وظيفتها توجه الأفراد إلى ما يجب عليهم القيام به وتنهى عما يجب تجنبه في مختلف المواقف الحياتية والإنسانية، وهي ترتكز في وظيفتها تلك إلى مجموعة من القيم الأخلاقية التي توجه السلوك الإنساني توجيها غائيا يتسم بالحكمة ويتشح بالفضيلة، فالأخلاق توجه الفرد إلى التمييز بين الخير والشر، بين الحق والباطل، بين الخطأ والصحيح، كما بين ما هو محمود وما هو مذموم على وجه الإطلاق. والأخلاق تشكل منهجا وجدانيا ينير طريق الأفراد في المجتمع إلى صراط الحق والخير والجمال، وقد قيل في الأخلاق بأنها ” التحلي بالمليح والتخلي عن القبيح “، وغالبا ما يطلق لفظ الأخلاق على جميع الأفعال الصادرة عن النفس محمودة كانت أو مذمومة فالمحمود منها يعرف بالخير، والمذموم منها يعرف بالشر، حيث تشكل مسألة الخير والشر المحور الأساسي لعلم الأخلاق برمته. فالأخلاق تعني الالتزام بالقيم والمبادئ الأخلاقية التي توجه الإنسان نحو الخير والفضيلة وتحول بينه وبين الشر، وترمز إلى انتصار الجوانب الايجابية في الإنسان طلبا للكمال وتحقيقا للغايات السامية في الحياة، إنها نوع من الوعي بما ينبغي وبما يجب التماسا للجمال الأخلاقي والكمال الروحي،

ومع أهمية التوضيح الذي سقناه في دائرة هذه المقدمة التمهيدية فإن مفهوم الأخلاق يواجه ما يسمى بالتحديات الحضارية، إذ لا يستقيم في معانيه ودلالته إلا من خلال العودة إلى تموضعاته في سياقات حضارية متنوعة، وذلك لأنه يختلف كثيرا في دلالته اللغوية والحضارية بين لغة وأخرى كما بين حضارة وأخرى. وقد آثرنا طرح المفهوم في سياقين حضاريين يتمثل الأول في الحضارة العربية الإسلامية بينما يتمثل الثاني في الحضارة الغربية المعاصرة.

1/3- الأخلاق في الثقافة العربية:نقد وتنوير، مقاربات نقدية في التربية والمجتمع

الأخلاق في اللغة العربية جمع “خُلُق” بضمتين أو “خُلْق” بضمة وسكون، وجرى تعريف الأخلاق في المعاجم اللغوية على إيقاع واحد قوامه الخلق والجبلة والطبع والسجية ؛ وجاء في لسان العرب أن “الخلق الدين والطبع والسجية، وحقيقته أنه صورة الإنسان الباطنة، وهي نفسه وأوصافها المختصة بها، بمنزلة الخلق لصورته الظاهرة أوصافها ومعانيها، ولها أوصاف حسنة وقبيحة”([1]). وبعبارة أخرى الخلق للنفس كالخلقة للجسد كلاهما مجموع أوصاف. وجاء في المعجم الوسيط أن الأخلاق “حال للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال من خير أو شر من غير فكر وروية”([2]).

ويميز التهانوي في كشاف اصطلاحات العلوم والفنون بين المعنى اللغوي والاصطلاحي لكلمة “خُلُق” فيقول: ” الخلق، في اللغة، العادة والطبيعة والدين والمروءة، والجمع الأخلاق، وفي عرف العلماء: ملكة تصدر بها عن النفس الأفعال بسهولة من غير تقدم فكر وروية وتكلف “[3].

ونجد هذا التأكيد على السجية الخلقية والعفوية لدى الجرجاني الذي يقرر بأن ” الخلق عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كانت الهيئة مصدرا للأفعال الجميلة سميت خلقا حسنا، وإن صدرت عنها الأفعال القبيحة سميت خلقا سيئا[4].

وينهج الفيروزابادى النهج نفسه في تعريف الأخلاق إذ يقول “الخُلْقُ بالضم وضمتين السجية والطبع والمروءة والدين”[5]، وعلى هذا المنوال يعرفها ابن منظور بقوله: ” الخُلُقُ والخُلْقُ السجية.. فهو الدين والطبع والسجية، وحقيقته، أنه صورة الإنسان الباطنة، وهي نفسه، وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخَلق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها ولهما أوصاف حسنة وقبيحة “([6]).

وتتضح تلقائية وعفوية الفعل الأخلاقي في منظور فخر الدين الرازي الذي يعرّف الخُلُق بقوله ” الخلق ملكة نفسانية يسهل على المتصف بها الإتيان بالأفعال الجميلة ” ([7]).

ويسير الغزالي على المنهج ذاته في تعريفه للأخلاق حيث يعرف الخلق بقوله «الخلق عبارةٌ عن هيئةٍ في النَّفس راسخةٌ، عنها تصدر الأفعال بسهولةٍ ويسرٍ من غير حاجةٍ إلى فكرٍ ورويَّة… وإنَّما اشترطنا أن تصدر الأفعال بسهولة من غير رويَّة لأنَّ من تكلَّف بذل المال أو السُّكوت عند الغضب بجهد ورويَّة لا يقال خُلُقُهُ السَّخاء والحلم»([8]).

ويأخذ ابن مسكويه بالتعريف الذي يرى بأن الأخلاق “حال للنفس داعية لها إلى أفعالها من غير فكر ولا روية. وهذه الحال تنقسم إلى قسمين: منها ما يكون طبيعياً من أصل المزاج والسجية والطبع، كالإنسان الذي يحركه أدنى شيء نحو غضب ويهيج من أقل سبب، وحاله كحال الذي يجن من أيسر شيء أو يفزع من أدنى صوت يطرق سمعة أو يرتاع من خبر يسمعه. ومنها ما يكون مستفاداً بالعادة والتدريب، وربما كان مبدؤه الفكر، ثم يستمر عليه أولاً فأولاً حتى يصير ملكة وخلقاً “([9]).

وتأسيسا على ما تقدم من التعريفات اللغوية الخالصة في اللغة العربية للخلق والأخلاق نجد بأن معنى الأخلاق يتحدد بمعيارين، يتمثل المعيار الأول في مبدأ الرسوخ والثبات والدوام والطبع، في حين يتمثل الثاني في مبدأ التلقائية حيث يجري السلوك من غير تكلف وانفعال وافتعال. وهذا يعني أن الأخلاق تمثل منبع السلوك التلقائي بما يصدر عنه من أفعال الخير والشر. وقد أجاد الشاعر العربي في وصف هذا الطابع النزوعي للأخلاق بقوله:

وما هذه الأخلاق إلا غرائـز……………… فمنهن محمود ومنهن مذموم

 ولن يستطيع الدهر تغيير خلقه…………….بنصح ولا يستطيعه متكرم

ويمكن لنا في هذا السياق التأسيس لأربع أفكار أساسية تؤكدها أغلب التعريفات التي سقناها في الثقافة العربية:

 – ترتسم الأخلاق في النفس على صورة السجية والفطرة والطبع في الإنسان ولذا فإنها تتسم بطابع الديمومة والاستمرار.

– يمكن اكتساب الأخلاق عن طريق الاكتساب فتتحول الأخلاق المكتسبة عبر الزمن إلى سجية وطبيعة وطبع.

– تشكل الأخلاق منبع السلوك الإنساني ومصدره الأساسي.

– تدور الأخلاق حول معاني الخير وكل الفضائل السامية التي عرفت بها المجتمعات الإنسانية.

2/3- الأخلاق في الثقافة الغربية:

توظف الثقافة الغربية أربع كلمات متداخلة للإشارة إلى مفهوم الأخلاق: Morale، Ethique، Déontologie، Axiologie ويصعب الفصل بين دلالة هذه الكلمات التي تترادف وتتداخل وتتقاطع بصورة مستمرة للتعبير عن الأخلاق كنظام أو علم أو فلسفة. ويبلغ هذا التداخل أشدّه بين كلمتي Ethique et Morale وهما مفهومان مترادفان في مستوى الاشتقاق متداخلان في الدلالة والمعنى.

اشتقت لفظة الأخلاق « Morale » من الأصل اللاتيني Moralis.، وتشير الكلمتان إلى الأخلاق والآداب والقيم الأخلاقية السائدة في المجتمع بصورة عامة. أما لفظة Ethique فهي مشتقة من اللفظة الإغريقية Ethikos ويقابلها في اللاتينية Ethica, وتعني أيضا في استخداماتها العامة النظام الأخلاقي المعياري لجماعة أو مجتمع محدد[10]، حيث يعمل هذا النظام الأخلاقي على توجيه سلوك الأفراد نحو الفضيلة والحق والخير والواجب والقيم الأخلاقية بصورة عامة. وقد استخدم مفهوم Ethique لأول مرة في اللغة الفرنسية في القرن الثالث عشر بمعنى الأخلاق والآداب. وفيما يتعلق بمفهوم Morale فإن أول استخدام له في الفرنسة كان في عام 1530.نقد وتنوير، مقاربات نقدية في التربية والمجتمع

وتتداخل لفظة Ethique تداخلا كبيرا مع كلمة Morale، حتى أنه يصعب الفصل بينهما، ويجري استخدام كل منهما مكان الآخر بالتتابع والتقاطع والترادف بصورة متواترة. ففي اللغة العادية تعدّ كلمة  Morale مرادفا طبيعيا لكلمة Ethique، وتشير كل منهما إلى الطريقة التي يعيش فيها الناس وفقا للقيم والمبادئ الأخلاقية طلبا للخير وتجنبا للشر. ولكن بعض العلماء يميزون بين الكلمتين تمييزا واضح المعالم حيث يوظفون كلمة Morale للتعبير عن نسق القيم والمعايير والمبادئ الأخلاقية التي توجه سلوك الفرد والجماعة، أي أخلاق المجتمع والجماعة والفرد. أما كلمة Ethique فتوظف للدلالة على النظرية الأخلاقية أو الفلسفة الأخلاقية السائدة في المجتمع. وغالبا ما توظف كلمة Ethique للتعبير عن نمط نقدي في التفكير الأخلاقي الذي يتجه نحو تقييم السلوك الأخلاقي وشروطه الحيوية في مجتمع ما. وهذا يعني أن كلمة Ethique ترمز إلى نوع من التفكير النقدي في النظام الأخلاقي وفي تجلياته المختلفة، بينما توظف كلمة Morale للدلالة على الأخلاق بوصفها نظاما من المبادئ والقيم الأخلاقية السائدة في المجتمع؛ وتوظف كلمة Ethique للدلالة على النظريات الأخلاقية أو المباحث الأخلاقية، وأحيانا علم الأخلاق، أي إلى نمط من النشاطات الفكرية التي تمارس وظيفة التقصي الفكري والنقدي في ميدان الأخلاق بصورة عامة.

 وغالبا ما يستخدم الفلاسفة الأمريكيون الكلمتين بمعنى واحد دون تمييز بينهما، وذلك على خلاف المفكرين الأوروبيين الذين يوظفون الكلمتين توظيفا متباينا. ووفقا لذلك فإن ريكو Ricoeur [11] يستخدم كلمة Ethique للتعبير عن المضامين الفكرية للأخلاق والقانون الأخلاقي، في حين يستخدم كلمة Morale للدلالة على نسق القيم والمعايير الأخلاقية، وهذا يعني أن كلمة Morale ترمز إلى نسق المعايير والمبادئ والقواعد الأخلاقية التي تفرض نفسها على سلوك الأفراد في المجتمع، والتي تتمحور حول مبدأي الخير والشر. وبالمقابل فإن كلمة Ethique تتضمن بعدا إضافيا تأمليا يتمثل في تمكين الفرد من تقييم الفعل الأخلاقي وتحديد مساراته واتجاهاته بطريقة نقدية. وهذا يعني أن الانتقال من دلالة كلمة Morale إلى دلالة كلمة Ethique يعني الانتقال من العام إلى الخاص ومن الكلي إلى الجزئي. و يميز موريو Meirieu في هذا الصدد بين الكلمتين، فيرى أن كلمة Ethique ترمز إلى دراسة السلوك الأخلاقي عند الأفراد، أما كلمة Morale فتعني نظاما من المعايير والقيم والمبادئ الأخلاقية التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع[12].

أما كلمة Déontologie (علم الأخلاق المهنية) فقد ظهرت على يد جيريمي بنتام Jeremy Bentham في كتابه المعروف Posthume الذي نشر في عام 1834 وعنى بها علم الأخلاق Science of morality، ولكن استخدام هذه الكلمة Déontologie في الفرنسية بدأ في القرن العشرين وتعني علم الواجب La science des devoirs وهي قريبة في معناها من كلمة Ethique أي علم الأخلاق.

 ويعد مفهوم “الأكسيولوجيا” (Axiologie science et théorie des valeurs) أكثر وضوحا من المفاهيم الثلاثة السابقة حيث بدأ استخدامه مع بدايات الفلسفة اليونانية خصوصا عند سقراط وأفلاطون و أرسطو[13]. ويعود هذا المصطلح إلى الأصل الإغريقي Axia ou Axios ويعني في الأصل علم القيم الأخلاقية، وفي الفلسفة يعني مبحث نظرية القيم([14]). وكان هارتمان Eduard von Hartmann أول من استخدم هذا المفهوم في كتابه المعروف L’Axiologie et ses divisions ([15]) ومن ثم استخدمه بول لابي Paul Lapie في بداية القرن العشرين في كتابه منطق الإرادة Logique de la volonté[16].

وأخيرا يمكن القول بأن المفاهيم (Ethique، Déontologie، Ethique، Axiologie) تتمايز بعضها عن بعض في سياق الاستخدام والتوظيف العام لها في مختلف النصوص والمباحث الأخلاقية وبالمقابل فإنه قد تتجانس حيث يوظف أحدها بمعنى الأخلاق أو علم أو نظرية الأخلاق أو الأخلاق المهنية… الخ ([17]).

3/ 2- حدود المفهوم بين الثقافتين:

يستطيع المتأمل عبر المقاربة بين مفهوم الأخلاق في الحضارتين الغربية والعربية أن يلاحظ ثمة فروق واضحة المعالم. فالمصادر الاشتقاقية العربية لمفهوم الأخلاق تركز مبدأ السجية والطبع والعفوية، كما تؤكد على الطابع السيكولوجي للأخلاق بوصفها طبعا وسجية، وهذا ما لاحظناه في مختلف التعريفات التي سقناها حول مفهوم الأخلاق في مختلف المصادر القاموسية والمعجمية حيث لا يخرج فيها مفهوم الأخلاق عن تكاثف للفضيلة في طبع الإنسان وكأنه قد فطر عليها فالأخلاق طبع وغريزة توجد في الإنسان. وهذه التعريفات المعجمية تجد في حقيقة الأمر صداها في مختلف التجليات الفكرية الأخلاقية لدى المفكرين العرب القدامى. فالتهناوي والجرجاني والفيروزأبادي وابن منظور والرازي والجاحظ والغزالي وابن مسكويه جميعهم يعطي للأخلاق صورة ملكة تصدر بها عن النفس الأفعال بسهولة من غير تقدم فكر وروية وتكلف.

وعلى خلاق هذا التصور نجد بأن الفكر الغربي يتجه إلى التركيز على الطابع القيمي والاجتماعي للأخلاق. فالأخلاق كما تجلت في مختلف المعاجم والتعريفات نظام من القيم الاجتماعية التي توجه مسار الحياة الأخلاقية والاجتماعية في المجتمع. وقد وجدنا نوعا من التنوع في استخدام مفاهيم متعددة تتراوح بين الأخلاق كنظام والأخلاق كعلم وفلسفة ونظرية وكما لا حطنا فهناك أربعة مفاهيم قد وظفت في الدلالة على الفعل الأخلاقي (Ethique، Déontologie، Ethique، Axiologie)

وإذا التجانس يشكل سمة لتعريف الأخلاق في العربية فإن الاختلاف يشكل الطابع العام في استخدام هذا المفهوم في الثقافة الغربية، وإذا كانت الثقافة العربية الكلاسيكية تأخذ المفهوم على أنه صيغة فردية سيكولوجية فإن الثقافة الغربية تتناوله في وظيفة الاجتماعية بصوفه نسقا من القيم التي تمارس وظيفة اجتماعية قوامها المحافظة على تماسك المجتمع ووحدته.

4- مضامين المفهوم وتخومه:

يعد مفهوم الأخلاق من المفاهيم المعقدة والمركبة وذلك لما يتضمنه من مفاهيم فرعية مترابطة وأنساق قيمية متداخلة ومتناغمة مع النسق العام للأخلاق. ووفقا لذلك يتضمن مفهوم الأخلاق نسقا من المفاهيم الفرعية مثل الأخلاق المهنية، والأخلاق والقانون، والضمير الأخلاقي، والقيمة، والحق والخير والواجب، والفضيلة، والأخلاق المهنية، وتشكل هذه المفاهيم الفرعية التخوم الأساسية لمفهوم الأخلاق. وهذا يعني أن مفهوم الأخلاق لا يستقيم إلا من خلال التعريف بمضامينه الفرعية وبالعناصر الأساسية المكونة له في نسق تكاملها الداخلي أي فيما بينها من جهة وفيما بينها وبين مفهوم الأخلاق بوصفه الإطار العام لمختلف التجليات الأخلاقية.

1/4- مفهوم الخير:

الخير فكرة مجردة ترتهن بمعايير متنوعة وتتجسد في معاني ودلالات مختلفة. والخير يعرفه بضده أي مفهوم الشر فإذا كان الخير رحمة فإن الشر نقمة وإذا كان نعمة كان الشر استلابا لها. وتتنوع الخيرات بين خيرات نفسية ومادية واجتماعية. فالخيرات المادية كل ما تجود به الطبيعة ليحيا الإنسان ويستمر في الوجود مثل الماء والفيء والحلال والمال والزرع والضرع وكل ما تستقيم به حياة الإنسان وتشرق، أما الشر فكل ما من شأنه أن يدمر الحياة ويؤذيها ويأتي على خيراتها وعطائها: فالمطر خير والجفاف شر، إحياء النفس خير أما قتلها فهو شر، والخصب خير يقابله القحط فهو شر، والحب خير يقابله الكراهية فهي شر، والكرم خير يقابله البخل فهو شر، والإيثار خير يقابله الإثرة وهي شر وهكذا دواليك.

والخير بالتعريف الأعم هو نسق من الفعاليات والقيم الإيجابية التي تدفع إلى الحياة وتسمو بالإنسان إلى مرتب الحق والخير والجمال والمحبة والتعاون والإخلاص وكل أشكال القيم الإنسانية، أما الشر فهو ما يناقض هذه القيم مثل القتل والحق والباطل والكراهية والعدوان والقبح والتنافر والخيانة والجهل. ويمكن أن نتحدث عن الخيرات المادية فكل ما تجود به الطبيعية من عطاء هو خير المال والحلال والزرع والجمال أما الشر فكل ما يؤذي ويدمر في الطبيعة وفي السلوك الإنساني.

استطاع الإنسان عبر تاريخه الطويل أن يهتدي إلى الخير وأن يدرك مراميه، وأن يدرك الشر ويعرف منازعه وخواصه. وعلى هذا الأساس فإن البشر في كل مكان يعرفون ويتفقون على قيم كونية تمثل الخير مثل الحب والجمال والحرية والإخاء والعدل والمساواة ويتفقون على نسق من القيم الشريرة التي تقابل القيم الخيّرة.

ومما لا شك فيه أن الإنسان العادي يميل ميلا طبيعيا إلى فعل الخير ونبذ الشر فالنزعة إلى الخير تأخذ طابعا عفويا متأصلا في الوجدان الإنساني، ومن هذا المنطلق يؤدي الأفراد معظم أعمالهم تحت عنوان الخير والحق والواجب ويمارسون فعالياتهم الإنسانية وفق قناعاتهم الأخلاقية في أغلب الأحوال. فالمجرمون واللصوص يجدون لأنفسهم مبررات أخلاقية، كاللص الذي يسرق وهو على قناعة بأنه يفعل خيرا لأنه يسطو على مال الأغنياء الأشرار وأن من حقه أن يتمتع بالمال الذي يتمتعون به.

فالمشكلة ليست في فعل الخير، بل في المعيار الذي يعتمده الناس في التمييز بين الخير والشر. وتأخذ هذه المعضلة صورة تساؤل منهجي قوامه: بمعنى متى يكون الفعل خيرا ومتى يكون شريرا؟ أو ما المعيار الذي يمكن اعتماده في تمييز الخير والسير بمقتضاه؟ وفي معرض الإجابة عن هذا التساؤل يمكن استعراض عدد كبير من النظريات والتصورات حول معايير الفعل الأخلاقي الخيّر. فالخير فكرة مطلقة وقيمة معنوية تتجلى في عنوان الفضيلة، والخير كفكرة مجردة لا بد له أن يتجلى في الممارسة والفعل وأن ُيستدل عليه من سمات محددة في الفعل الإنساني ذاته. وفي هذا السياق تتعدد المعايير التي يعتمدها الناس والمفكرون في تحديد مفهوم الخير، فهناك من يعتقد بأن معيار الخير ومحكه الأساسي يكون في العقل، وتتنوع هذه القناعات ما بين الطبيعة أو الدين أو اللذة أو المنفعة أو السعادة، أو المجتمع. ويمكن أن نستعرض بعض من وجهات النظر هذه التي كرست لتحديد معيار الخير بدلالته الأخلاقية.

 كان سقراط يعتقد بتوأمة الخير والمعرفة من جهة وتوأمة الشر والجهل من جهة ثانية، فالمعرفة تؤدي إلى الخير والجهل يدفع إلى المعصية والشر، ووفقا لهذا التصور كان يرى بأن المعرفة والحكمة والفطنة عي الخير الأسمى، والخير الأسمى هو فضيلة الفضائل لأن من عرف الخير اهتدى إليه. وقد أدرك الإمام علي رضي الله عنه هذه الحقيقة فأبدى ثقته المطلقة بالعقل الإنساني هاديا فكان يقول مؤمنا بقدرة العقل: «كفاك من عقلك ما أوضح لك سبل غيك من رشدك» و«العقل مرآة صافية».

ويذهب المثاليون، وفي مقدتهم أفلاطون، إلى الاعتقاد بأن الخير نسق من الفضائل الكونية العليا القائمة في عالم المثل ؛ فأفلاطون كان يعتقد أن الفضيلة موجودة في عالم المثل، والروح تأتي منه وهي محملة بالفضيلة، وعليه فما كان خيرا سيظل كذلك والروح تدرك بذاتها ما في الفعل من خيرية من خلال التذكر. وكان أفلاطون يتصور أن عالم المثل هرم من الفضائل الخيرة يتربع الخير المطلق قمته. والخير بالنسبة له قيمة إلهية عليا في الكون تفوق كل القيم لا بل هو معنى المعاني وأساس الوجود الكوني. وعلى هذا الأساس كان أفلاطون يرفع مثل الخير إلى مرتبة الإلوهية، إذ كان يقول ” إن الخير فوق الوجود شرفا وقوة، وذلك لأن الحق و العدل و الحرية قيم مطلقة يجسدها الخير المطلق الموجود في عالم المثل.

ووفقا لهذه الرؤية التي يأخذ فيها الخير طابع الغائية المطلقة كان أفلاطون يعتقد بأن الخير ضياء داخلي يبدد ظلام النفس، وأن الإنسان لا يحتاج إلى أدنى جهد للتميز بين الخير والشر حيث يقول:” كما أن لهذه الدنيا شمساً يستضاء بها ويـُعرف بها الليل من النهار والأوقات والأشخاص والأجرام فكذلك للنفس نور تميز به بين الخير والشر، وهو الحكمة فإن ألحكمه أشد ضياءً من الشمس. وإن للنفس صحة ً وسقماً وحياة ً ونحوتاً، فصحتها بالحكمة وسقمها بالجهل، وحياتها بأن تعرف خالقها وتتقرب إليه بالبر، وموتها أن تجهل خالقها وتتباعد عنه بالفجور”[18].

وذهب المعتزلة إلى الاعتقاد بأن الفعل يمتلك من الصفات ما يجعله خيرا أو شريرا، فالفعل الخيّر كالجوهرة فيه من الصفات الموضوعية ما يجعله خيرا بذاته. فالعقل يستحسن الخير وينادي به ويستهجن الشر ويرفضه، ولكن الاشاعرة رفضوا دعوى المعتزلة واعتقدوا أن الحسن والقبيح شرعيان وليسا عقليان، وهذا يعني أن الخير تحدده الشرائع والأديان وليس العقل المحض عند الإنسان.

وهذا ما يذهب إليه فولتير في تصنيفه للفعل الخيّر، فالخير يعرف بداهة ولا يختلف فيه اثنان مهما اختلف الزمان والمكان فالراعي التتري والصباغ الهندي والبحار الإنجليزي يتفقون على أن العدل خير والظلم شر، وهذا يعني وفقا لفولتير أن في فعل العدل من الصفات ما يجعله خيرا بشكل موضوعي وثابت ومطلق.

وفي منظور آخر يرى المفكر الإغريقي “ارستيب” بأن اللذة هي صوت الطبيعة، وأن الغريزة هي المحرك الأول لأفعال الإنسان، فجعل اللذة معيارا للفعل الأخلاقي وتجسيدا للخير الأعظم، فالطبيعة البشرية التي تنجذب بصورة تلقائية وعفوية إزاء ما يحقق لها متعة الحياة، وتنفر في المقابل من كل ما يهدد أو يقلل من هذه المتعة. ولأن ارستيب قد بالغ في تعظيم اللذة الحسية فإن أتباعه من الإبيقوريين طورا نظريته حياة وميزوا بين اللذات الجسدية وبين اللذات العقلية والروحية فأعلوا من شأن الأخيرة.

وهذا هو الاتجاه الذي تبناه ابيقور (Epicure) 341-270 ق م الذي اتفق مع سلفه بتعظيم اللذة كمبدأ للخير، ولكنه أعطى لهذه النظرية طابعا أخلاقيا جديدا يتصف بالحنكة والذكاء، فاللذة كما يرها هي الخير الأعظم إذا كانت عواقبها خيرا، ووفقا لذلك نادي بضرورة اجتناب اللذات التي تجر وراءها آلاما والآلام التي لا تعقبها لذة، ورفع شعاره المعروف ” خذ اللذة التي لا يعقبها الألم و اجتنب الألم الذي لا يستقيم مع اللذة، أي تجنب اللذة التي تحرمك من لذة أعظم منها و تقبل الألم الذي يخلصك من ألم أعظم منه. ومن هذا المنطلق الفلسفي ارتقى مفهوم الخير لديه وتجلى في قيم الصداقة و الحكمة ووفقا لهذه الحكمة رفع شعار اللذات العقلية والروحية والاعتدال في تحقيق اللذات الجسدية. وهذا الاتجاه نجده عند الرواقيين Les stoicims الذين رفعوا اللذة إلى مستوياتها الروحية العليا، حيث لا يمكن أن تتحقق السعادة إلا إذا عاش الفرد على وفاق مع الطبيعة. وباختصار فإن الخير هنا يقاس بمدى ما يحققه من لذات عقلية وروحية وجسدية ووفقا لهذا المعيار فإن الخير يتجلى في اللذة التي يحققها أبدا.

ولكن كانط يناقض فكرة اللذة على نحو كلي، إذ يرى وجوب تنزيه مبدأ الخير عن أي غرض ذاتي أو لذة، فالخير هو الواجب المطلق الذي ينفلت من عقال الزمان والمكان ويقرض على الإنسان أن يسعى إليه لأنه خير يفرضه الواجب المطلق. ففي الحالة التي يقول فيها الإنسان الصدق لغاية -كأن يقول الصدق ليكسب احترام الآخرين – لا يكون الفعل أخلاقيا وخيّرا لأنه مرتبط بغرض، أما عندما يصدق الإنسان – لأن الصدق ضرورة أخلاقية وواجب أخلاقي مطلق – يكون الصدق هنا فعلا أخلاقيا خيرا ونبيلا. فالخير يكمن في الواجب، والواجب الأخلاقي هو الخير المطلق، وفي هذا الأمر يعلن كانط “بأن الأخلاق لا تعلمنا كيف نكون سعداء بل تعلمنا كيف نكون جديرين بالسعادة “، وهذا يعني أن الخير يكمن فيما يجب وليس فيما يحققه من سعادة، وهذا ينقض نظرية المنفعة واللذة الأخلاقية[19].

أما زعماء النزعة الطبيعية، فيرون أن الخير ينبع من الطبيعة ويتجلى في عطاءاتها. وهذا ما كان يذهب إليه كونفوشيوس وابن طفيل وجان جاك روسو. فالخير وفقا لهذا الاتجاه يكمن في الطبيعة فالطبيعة هي الخير والمطلق والسير بمقتضى الطبيعية هو السير على صراط الواجب. وكان روسو يعتقد أن كل ما يخرج من بين يدي الإنسان خير وكل شيء يفسد بين يدي الإنسان. فالطبيعة هي الخير وهي غايته في الآن الواحد[20]. وهذا ما كان يذهب إليه كونفوشيوس وابن طفيل الأندلسي في رائعته ” حي بن يقظان” الذي نشأ في الطبيعة فنشأ على مطلق الخير وغايته.

ويتجلى هذا الأساس الفلسفي في تصريح مينشيوس وهو التلميذ الأكثر أهمية وخطورة في المدرسة الكونفوشيوسية، حيث يقول “إن الإنسان يميل إلى الفضيلة كما يميل الماء إلى الانسياب إلى أسفل، وكما يميل المتوحش من الحيوانات إلى البحث عن الغابة”([21]). فالكونفوشيوسية تركز على أهمية التوازن والانسجام مع الطبيعة والكون والله والذات الإنسانية أي السير في طريق الفضيلة. فالفضيلة عند كونفوشيوس تعني تحقيق التوازن بين الانفعالات والشهوات والسير بمقتضى الطبيعة وتحقيق التوافق بين الوجود الذاتي والوجود الكوني.

وتجدر الإشارة إلى التيار الديني الإيماني الذي يرى بأن الخير يكمن في الشرائع والعقائد الدينية الإيمانية، لأن العقائد الدينية تقوم على تحديد الخير وتعيينه وتدعوا إليه بصورة مستمرة. فالفعل الأخلاقي يحتل مركزيته في الأنساق الفكرية الدينية. وعلى هذا الأساس فإن الأديان تأخذ أنساقا متتابعة من الأوامر والنواهي التي تدعوا إل الخير وتحض على ممارسة الفضيلة.

2/4- مفهوم الضمير

يشكل الضمير قوة أخلاقية مركزية تفرض نفسها في كل ممارسة أخلاقية وفي كل فعل يتوخى الفضيلة والخير. وكثيرا ما يوصف الضمير بأنه قوة عقلية خالصة، أو بأنه قبس من نور إلهي يكمن في أعماق الإنسان فينهاه ويهديه ويعاقبه. وقد عرف أيضا أنه محكمة داخلية تصدر أحكامها على كل فعل أخلاقي وتوجه إلى قيم الحق والخير والجمال.

فالضمير مركز إصدار الأحكام الأخلاقيّة المعياريّة على أفعال وتصرّفاته، ما تحّقق منها أو ما هو في طريقه للتّحقّق، ويتجلى بوصفه قوة تضرب وجودها في أعمق منطقة في الوجدان الإنساني، إذ يقوم بإصدار الأحكام الأخلاقية على سلوك الفرد ويوجهه إلى صراط الهداية الأخلاقية، وعندما يرفض الفرد هدي الحق ويرتكب المعصية ينزل به الضمير أشد العذاب بما يسمى عذاب الضمير وتأنيبه وتبكيته. وقد جاء في المعجم الفلسفي بأن الضمير:” خاصيّة العقل في إصدار أحكام معياريّة تلقائيّة ومباشرة على القيمة الأخلاقيّة لبعض الأفعال الفرديّة المعيّنة. وحين يتعلّق هذا الضّمير بالأفعال المقبلة فإنّهُ يتّخذ شكل صوت يأمر أو ينهى، وإذا تعلّقَ بالأفعال الماضية فإنّهُ ضمير التكلّم” [22].

ويعرف لالاند A.Lalande الضمير « بأنه خاصة تمكّن الفكر البشري من إطلاق أحكام معيارية عفوية ومباشرة على القيمة الأخلاقية لبعض الأعمال الفردية المحددة».[23] وهنا يتضح أن لالاند يركز على الجانب العقلي الذي يأخذ طابعا عفويا في سائر أحواله في إصداره لأحكامه الأخلاقية. فالضمير، وفقا لأغلب التعريفات، يتمثل في شعور غريزي بالخير والشر، حيث يمكن للإنسان أن يرجع إلى ضميره حينما لا يجد متسعاً من الوقت، أو لا يتيسر له فحص القيمة الأخلاقية للعمل قبل الإقدام عليه فحصاً منهجياً. ويكون هذا بطريقة استفتاء العمق الوجداني الذي يقدم إجابات عفوية حول مصداقية الفعل فيؤكد خيره ويحض عليه أو يستشعر شره فينهى عنه. وهذا ما يتوافق ورؤية أصحاب النزعة الحدسية والصوفية الذين ينظرون إلى الضمير بوصفه فطريّة تدرك الخير والشرّ حدسياً من غير خبرةٍ سابقة أو فحص أو تأمل، وقد أنكر الطّبيعيّون ذلك ورجعوا به إلى التّجربة، فقرنوا ما بين الحكم على أخلاقيّة الأفعال بنتائجها. يقول جان جاك روسو J.J.Rousseau «الضمير صوت الروح، والأهواء صوت الجسد» والضمير بالنسبة إلى الروح كالغريزة للجسد. ويقول أيضاً: «أيها الضمير… أيتها الغريزة الإلهية، أيها الصوت السماوي الخالد، أيها الحاكم المعصوم الذي يفرق بين الخير والشر، أنت الذي تجعل الإنسان شبيهاً بالله، فتخلق ما في طبيعته من سمو، وما في أعماله من خيرية، لولاك لما وجدت في نفسي ما يرفعني على الحيوان إلا شعوري المؤلم بالانتقال من ضلال إلى ضلال، بمعونة ذهنٍ لاقاعدة له، وعقل لامبدأ له».يقول جان جاك روسو J.J.Rousseau «الضمير صوت الروح، والأهواء صوت الجسد» والضمير بالنسبة إلى الروح كالغريزة للجسد. ويقول أيضاً: «أيها الضمير… أيتها الغريزة الإلهية، أيها الصوت السماوي الخالد، أيها الحاكم المعصوم الذي يفرق بين الخير والشر، أنت الذي تجعل الإنسان شبيهاً بالله، فتخلق ما في طبيعته من سمو، وما في أعماله من خيرية، لولاك لما وجدت في نفسي ما يرفعني على الحيوان إلا شعوري المؤلم بالانتقال من ضلال إلى ضلال، بمعونة ذهنٍ لاقاعدة له، وعقل لامبدأ له».

 وفي سياق آخر، لم يكتف صاحب المعجم الفلسفي بالكشف عن طبيعة الضمير في تعريفه بل تناول وظائفه وديناميات فعله حيث يعرفه بأنه ” خاصّة يصدر بها الإنسان أحكاماً مباشرةً على القيم الأخلاقيّة لأعمال معيّنة، فإن تعلّقَ بما وقع، صاحبه ارتياح أو تأنيب، وإن تعلّقَ بما سيقع كان آمراً أو ناهياً ” [24].

 ويركز إيغور كون في معجمه الأخلاقي على الوظائف الأساسية للضمير، ويؤكد على وظيفته الرقابية التي تأخذ طابعا ذاتيا، ويرى بأن فعالية الضمير مشبعة بالطابع الانفعالي الوجداني، حيث تتمثل وظيفته في: ” مراقبة الذّات الأخلاقيّة، والصّياغة الذاتيّة المستقلّة لواجباتها الأخلاقيّة، ومطالبة نفسها بتأديتها، وإعطاء تقييم ذاتي لما قامت به من تصرّفات، وأحد تجلّيات وعي الذات الأخلاقيّ عند الشّخصيّة، وقد لا يتجلّى الضّمير في صورة إدراك عقلي لقيمة الأفعال الأخلاقيّة، فقط، بل وفي صورة معاناة عاطفيّة، كما في الشّعور بتأنيب الضّمير، أو في أحاسيس ” راحة الضّمير” الإيجابيّة. وعليه، فإنَّ الضّمير هو وعي الشّخصيّة الذّاتي لواجبها ومسئوليتها تجاه المجتمع” [25]. فالضمير وفقا لهذا التعريف يتميز بطابعه الذاتي ووظيفته تتمثل في المراقبة والمطالبة والتقييم والوعي والعقاب والإحساس بالمسؤولية الاجتماعية وذلك من أجل التوجيه الأخلاقي للسلوك الإنساني.

 وبينما يركز تعريف كون على الجانب الوظيفي للضمير، تؤكد الموسوعة الفلسفيّة السّوفيتيّة على الجانب العاطفي الوجداني كما تؤكد على الجانب الاجتماعي والمكتسب في تكوينه، فالضّمير: ” مركّب من الخبرات العاطفيّة القائمة على أساس فهم الإنسان للمسؤولية الأخلاقيّة لسلوكه في المجتمع، وتقدير الفرد الخاص لأفعاله وسلوكه. وليس الضّمير صفةٌ ولاديّة، إنّما يحدّده وضع الإنسان في المجتمع، وظروف حياته، وتربيته، وهكذا. ويرتبط الضّمير ارتباطاً وثيقاً بالواجب، ويشعر المرء ـ بوعيه بأنّه أنجز واجبه تماماً ـ بأنّهُ صافي الضّمير، أمّا انتهاك الواجب فيكون مصحوباً بوخزات التأنيب. والضّمير، في استجابته الإيجابيّة لمتطلبات المجتمع، قوّة دافعةٌ قويّة للتّهذيب الأخلاقي للفرد”[26].

من أجمل التعريفات التي قدمت للضمير، وأكثرها سموا ووضوحا يشار إلى تعريف جان جاك روسو J.J.Rousseau الذي وصفه ” بأنه صوت الروح، والأهواء صوت الجسد» والضمير بالنسبة إلى الروح كالغريزة للجسد. ويقول أيضاً: «أيها الضمير… أيتها الغريزة الإلهية، أيها الصوت السماوي الخالد، أيها الحاكم المعصوم الذي يفرق بين الخير والشر، أنت الذي تجعل الإنسان شبيهاً بالله، فتخلق ما في طبيعته من سمو، وما في أعماله من خيرية، لولاك لما وجدت في نفسي ما يرفعني على الحيوان إلا شعوري المؤلم بالانتقال من ضلال إلى ضلال، بمعونة ذهنٍ لا قاعدة له، وعقل لا مبدأ له»[27]. فالضمير كما يعرفه روسو هو قبس من نور إلهي يتغلغل في أعماق الفرد ليضيء الجوانب المظلمة فيها فيرقى بالفرد إلى مرتبة الإنسانية، ومن غيره يفقد الإنسان جوهره الإنساني، ويتحول إلى مجرد كيان بهائمي لا قيمة له ولا معنى في سلم الارتقاء الكوني، فالضمير وفقا لروسو يمنحنا جوهرنا الإنساني وومض وجودنا الأخلاقي بوصفنا كائنات خلاقة ترتقي على ما غيرها في مملكة الكائنات الحيّة.

ويصف فرويد الضمير بأنه “الأنا الأعلى” وهو المنطقة الأكثر قدسية في الكيان السيكولوجي للفرد، فالأنا الأعلى هو المحكمة العليا في الكيان الإنساني والتي تعنى بإصدار الأحكام الأخلاقية وتوجيه الفعل الإنساني توجيها أخلاقيا ينشد الخير والحق والجمال ويرفض الباطل والشر والفساد. وإذا كان الأنا الأعلى هو الضمير الأخلاقي فإن فرويد يرى بأن ” الهو” (Le ça) وهي منطقة الغرائز والميول في الكيان النفسي يمثل منطقة الشهوة حيث يعبر عن مطالب الجسد تلبية للرغبة والميول الطبيعية الغرائزية في الإنسان. وعلى هذا النحو يتجلى الأنا الأعلى في صوت الحق والضمير والقيمة الأخلاقية في الوقت الذي يعبر فيه ” الهو” عن صوت الشهوة والرغبة والميل والعاطفة والهوى. والحياة الأخلاقية تكون بالصراع الأبدي ما بين الأنا الأعلى SurMoi وما بين الهوى منطقة الرغائب والميول والشهوات، إنه صراع الجسد والعقل بل هو صراع النور والظلام في كيان الفرد النفسي[28].

بعض المفكرين يؤكدون على العمق الحر في بنية الضمير فالضمير جوهر أخلاقي يقوم على مبدأ الحرية، ومن غيرها يموت وتموت معه النفوس الأبية. فالحرية هي التي تمنح الإنسان الإرادة ومن غيرها تتحول الحياة الإنسانية إلى بهائمية مظلمة. فالإنسان. يقول الكواكبي في هذا السياق: ” الحرية أعز شيء على الإنسان إذ بفقدها نفقد الآمال، وتموت النفوس، وتتعطل الشرائع وتختل القوانين فالحرية هي أن يكون الإنسان مختارا في قوله وفعلة لا يعترضه مانع ظالم([29]). وفي هذا الصدد يقول القديس توما الإكويني: ” الإنسان الحرّ هو الذي يكون علة ذاته”.

فالحرية تشكل جوهر الضمير الأخلاقي وعمقه، حيث يكون الضمير علة الفعل الأخلاقي وعلة نفسه، وتتجلى هذه العلاقة الأبدية بين الحرية والضمير في هذا التصور الذي يقدمه جون ستيورت مِل عندما يقول ” إنَّ في حياة الفرد منطقة حرام لا يجوز للمجتمع أن يطأ ساحتها، هي موطن الحريّة الصّحيحة (…) ونعبّر عنها بحريّة الضّمير، والفكر والوجدان” [30]، وهذه المنطقة المقدسة المحرمة هي موطن الضمير الأخلاقي حيث يكون الضمير هو السيد المطلق الذي يستمد أحكامه من ذاته ومن الصفاء الأخلاقي الذي يتميز به فلا يهادن ولا يذعن ولا يخضع إلا لأحكام الحق والعقل والواجب والفضيلة والقيمة الأخلاقية العليا. فالضمير لا يستقيم إلا بالحرية وفي هذا السياق يعرف معجم علم الأخلاق حريّة الإرادة بأنها: ” قدرة الإنسان على تحديد تصرّفاته بنفسه، تبعاً للرّؤية الّتي يتبنّاها، وقدرته على الفعل استناداً إلى قراره الذّاتي. وهي تعني أنَّ الإنسان حين يقوم بالتّصرّف، يختار (الاختيار) بين الخير والشّرّ، بين الأخلاقي واللاأخلاقي.”[31]. وهذا كله يعني أن الحرية تشكل وطن الضمير وجوهره ومن غيرها لا يمكن للإنسان إلا أن يكون عبدا صغيرا صاغرا لغيره وملذاته.

وعلى هذه الصورة يتجلى الضمير بوصفه كيانا أخلاقيا يتسم بالقدرة على توجيه الفعل الأخلاقي ” إنه الوجدان بوصفه القوّة الأخلاقيّة التي تنطلق على مسارات العقل والحرية والعاطفة المتأججة بالبعد الإنساني الخلاق. وبعبارة أخرى الضمير هو المنطقة الأكثر صفاء ونقاء وقدسية في الروح والعقل الإنساني وبه يتماهى الإنسان بجوهره الإنساني الذي ينبض بكل معاني الوجدان.

كما هو الحال في الفرد يرى بعض الباحثين أن المجتمع ينطوي على روح جمعية أو لاشعور جمعي أو عقل جمعي وفي هذه المكونات الجمعية يكمن الضمير الجمعي للمجتمع أو الجماعة والتي تتمثل في الحس الأخلاقي الجمعي لدى الجماعة. ومن أبرز القائلين بالروح الجمعية يشار إلى يونغ في مقولته عن اللاشعور الجمعي، وإلى دوركهايم في العقل الجمعي حيث تتشكل في الجماعة طاقة نفسية عقلية تحكم مسار نموها الأخلاقي.

3/4- في مفهوم الواجب

 يشكل مفهوم الواجب قطب الرحى في المسألة الأخلاقية ويؤسس لجوهر التفكير الفلسفي في المجال الأخلاقي. فالواجب نداء الضمير ووظيفته الأساسية وهو يمارس وظيفة القسر والإلزام في مجال الحياة الأخلاقية سواء أكان هذا الإلزام داخليا نابعا من الذات، أو خارجيا تفرضه الحياة الاجتماعية بما تنطوي عليه من معايير أخلاقية. فالواجب يأخذ صورة إلزام أو التزام يؤديه حتى وإن تعارض مع مصلحته الشخصية وميوله الطبيعية.

 ويعد كانط أبرز المفكرين الذين رسخوا مفهوم الواجب وأصلوه في الفكر الأخلاقي. فالواجب يأخذ مكانا مركزيا في أعمال كانط الأخلاقية ويشكل حجر الزاوية في نظريته الأخلاقية. فالحياة الأخلاقية تخضع لمطالب الواجب وضرورته الكونية، والواجب ينطلق من أعماق الحياة الوجدانية للفرد التي تستظل بمعاني الحرية والاستقلال. ويترتب على الإنسان الأخلاقي وفقا لهذه الرؤية أن يمارس الفعل الأخلاقي على صورة الواجب الذي يتميز بعقلانيته وشموله وكونيته، حتى وإن تعارضت متطلبات هذا الواجب مع مقتضيات الميول والرغبات الذاتية لدى الفرد. وتستمد هذه النظرية مشروعيتها من مشروعية العقل الكوني للإنسانية حيث يتوجب احترام القانون الأخلاقي الذي يحكم الجميع ليتمكن الفرد من العيش المشترك مع الآخرين في وئام وسلام تحت مظلة المساواة والقانون. فالعقل الكوني يشكل مصدر الواجب والحياة الأخلاقية برمتها. ويشترط كانط في الواجب أن يكون مجردا من كل غاية نفعية أو ذاتية[32].

ويميز كانط في هذا السياق بين الأوامر الشرطية والأوامر الأخلاقية القطعية الغائية التي يفرضها الواجب. فالأمر الأخلاقي الذي يصدر عن الواجب يكون غائيا كليا ذاتيا حرا لا يتوخى نفعا أو يجاري مصلحة ذاتية. أما الأوامر الشرطية فتتمثل في القيام بالفعل لخير مطلوب (غاية ). وعلى خلاف ذلك تأخذ الأوامر القطعية صيغة القيام بالفعل لغاية ذاتية مطلقة (الحق من أجل الحق) وهو وحده فعل الأخلاقي مثل التاجر الذي يستقيم مع زبائنه يفعل ذلك طبقا للواجب , ولكنه بدافع المنفعة لا الواجب , والإرادة الخيرة تعمل بدافع الواجب لا طبقا للواجب , ولهذا سميت أخلاق كانط بأخلاق الواجب.

فالأوامر الشرطية فهي أوامر تفرضها تعاملات الناس في حياتهم اليومية. فعندما يتجنب المرء السرقة خوفا من السجن، والإسراف في الطعام خوفا من المرض، وعندما يجتهد أملا في النجاح، ويزور الآخرين طلبا للاحترام، ويمارس الرياضة طمعا بصحة جيدة، فإنه يؤدي واجبات أخلاقية نفعية وشرطية وليست في مقام الأوامر والإلزامات الأخلاقية التي يفرضها الواجب كواجب أخلاقي مطلق، ومثال ذلك، افعل الخير دائما وأبدا لأنه خير، كن صادقا واصدق دائما أبدا حبا بالصدق، لا تكذب خوفا من العقاب بل لا تكذب لأن الكذب حرام بالمطلق. اجتهد حبا بالاجتهاد لأن الاجتهاد واجب، وساعد الآخرين ليس طمعا في أمر آخر غير القيمة ألأخلاقية لواجب الخير المطلق. وقد أسس كانط ثلاثة قواعد أساسية لممارسة الواجب الأخلاقي:

1-قاعة الكلية: ” اعمل دائما بحيث تستطيع أن تجعل من قاعدة فعلك قانونا كليا شبيها بقانون الطبيعة”. أي قانونا يشمل سائر الناس دون استثناء.

2- قاعدة الغائية: اعمل دائما بحيث تعامل الإنسانية في شخصك وفي أشخاص الآخرين دائما كغاية لا كوسيلة”.

3- قاعة الإرادة: “اعمل دائما بحيث تستطيع أن تجعل من إرادتك الإرادة الكلية المشرعة للقانون الأخلاقي “[33].

وتلك هي القواعد التي تعكس سمو الواجب الأخلاقي الذي لا يمكن أن نخفضه إلى مجرد واجب اجتماعي قل هو واجب لكل الكائنات العمالقة تمثلا للقانون لا أكبر. ويتضح هنا أن كانط قد شرّع قوانين شمولية تمتد لتشمل الإنسان كمفهوم، أي الإنسان في صيغته المطلقة، وهو في صوغه لهذه القوانين يركز على العقل والإرادة بوصفهما من طبيعة كونية.

4/4- الأخلاق المهنية:

ترتبط المهن غالبا بنسق من القيم والمعايير التي تحدد الطابع الأخلاقي لممارسي المهنة، وغالبا من يحدد أصحاب عرفا بعض القيم والمعايير السلوكية التي يطلق عليها الأخلاق المهنية، وفي بعض المستويات يقوم أصحاب المهن بوضوح دستور أخلاقي لمهنتهم تتضمن منظومة من المعايير والقيم الأخلاقية التي يجب أن يتحلى بها أصحاب المهنة وأن يأخذوا بمضامينها أثناء مزاولتهم للمهنة. ويرتسم الدستور الأخلاقي لأصحاب المهن وممارسيها في صورة وثيقة تدون فيها المعايير الأخلاقية والسلوكية المهنية المطلوبة، ويطلق على هذه الوثيقة غالبا مدونة المعايير المثالية الأخلاقية لممارسة المهنة. وقد يتجلى هذا الجانب في القسم الذي يؤديه أصحاب بعض المهن مثل الأطباء الذين يوقعون ميثاق الشرف ويقسمون ومن أشهر المدونات قسم أبقراط الذي بموجبه كرس مهنة الطب للحفاظ على الحياة وخدمة البشرية. كذلك الحال بالنسبة للجند الذين ينتهون من التدريبات الأساسية كالضباط الجدد الذين لا يكتسبون صفتهم العسكرية إلا من خلال القسم العسكري الذي يحض على أخلاق الشرف والكرامة والدفاع عن الوطن والتضحية في سبيله، ومثال ذلك أيضا والقضاة الذين يقسمون على تحقيق العدالة، وممثلي الشعب في البرلمانات الذين يقسمون على خدمة الوطن والمواطنين، وتأخذ هذه الوثائق تسميات مختلفة مثل وثيقة الأخلاقية، أو مدونة أخلاقية، أو بيان أخلاقي، أو عهد أخلاقي، أو الشرف الأخلاق للمهنة أو ميثاق الشرف وغير ذلك من التسميات التي تتعلق بكل مهنة من المهن. ويمكن تعريف الأخلاق المهنية بأنها “هي مجموعة من معايير السلوك الرسمية وغير الرسمية التي يستخدمها أصحاب مهنة ما كمرجع يرشد سلوكهم أثناء أدائهم لوظائفهم”[34].

وباختصار يمكن القول بأن الأخلاق المهنية هي نسق من المبادئ والقيم والآداب الخاصة بالمهنة التي تتبناه جماعة مهنية مها لتوجيه سلوك أعضائها والمننتسبين إليها لتحمل مسؤولياتهم المهنية على نحو أخلاقي. وطفة وتكون وظيفة الميثاق الأخلاقي أو المدونة الأخلاقية تذكير الأعضاء في مهنة ما إلى مراعاة القيم الأخلاقية الخاصة بالمهنة وأحيانا تتضمن هذه المدونات الأخلاقية تذكيرا بالعقوبات التي يتعرض لها المنتسبين إلى المهنة عندما يخرقون الآداب الأخلاقية للمهنة.

5/4- الأخلاق والقانون:

وفي هذا السياق يجب التمييز بين مفهومي القانون والأخلاق أو بين القانون العام والقانون الأخلاقي أي ما بين المسؤولية القانونية والمسؤولية الأخلاقية. فالمسؤولية القانونية تأخذ صورة تشريعات قانونية واضحة تفرضها المؤسسات القانونية مثل المحاكم والدساتير واللوائح القانونية وتفرض هذه القوانين نوعا من الالتزام القسري الخارجي على أفراد المجتمع، وتتميز المسؤولية الأخلاقية عن المسؤولية القانونية بأنها التزامات ذاتية داخلية تنبع من عمق الإنسان الوجدانية وتتسم بأنها قيم يفرضها الضمير الأخلاقي الماثل في أعماق الوجدان في صورة الواجب. وهذا يعني أن الفعل الأخلاقي يقتضي الحرية والإرادة والصدق في الغاية والمنهج.

توجد علاقات جوهرية بعيدة المدى بين الأخلاق والقانون. فالقانون يجسد القيم الأخلاقية في عملية تطوره ونشأته. والقانون يشكل حالة من حالات التطور الأخلاقي في المجتمع حيث يأخذ القانون الأخلاقي صورة وضعية اجتماعية ملزمة بالجزاء والعقوبة. فالقانون حلقة متبلورة من الأخلاق وهو ينمو ويتّسع كلّما ازداد إحساس المجتمع بأنّ إتباع قاعدة خلقية معيّنة ضرورة لخير المجتمع، لأنّه إذ ذاك يشعر بالحاجة إلى تدعيم هذه القاعدة ورفعها من مرتبة الأخلاق إلى مرتبة القانون الوضعي (المعمول به) عن طريق فرض جزاء يكفل احترامها. وهكذا نشهد بين الأخلاق والقانون حركة مستمرّة تجعل القانون الوضعي يتماشى مع المجتمع في تطوّره. ويمكن إيراد مجموعة من الأمثلة فبعض القوانين تحكم على القاتل العمد بالقتل وهذا القانون هو بلورة للقيمة الأخلاقية الأصل التي ترى بضرورة قتل القاتل إحقاقا للعدالة الأخلاقية. وهنا عندما تأخذ عقوبة القاتل الإعدام طابعا اجتماعيا وقانونيا منظما مكفولا بقوة المجتمع ودعم أجهزته الأمنية والقضائية. وهذا الأمر نجده في قانون العمل ” فالقاعدة الخلقية تفرض على ربّ العمل أن يعوّض العامل عمّا لحقه من إصابات بسبب العمل، ولو لم تكن الإصابة راجعة إلى خطأ ربّ العمل. وقد رفع المشرع هذه القاعدة إلى مرتبة القاعدة القانونية وجعلها ملزمة”[35].

 ويمكن التمييز بين القانون الوضعي والقانون الأخلاقي باختلاف الغايات والمجال وطبيعة العقاب المنزل، فالقانون الوضعي يسعى إلى تحقيق العدالة ومن ورائها حفظ النظام العام، أمّا القانون الأخلاقي فإنه يرتسم على صورة فضيلة تسمو بالأفراد إلى مرتبة الكمال من حيث هي أوامر تحض على الخير عن الشر. ومن جهة أخرى فإنّ المجال الأخلاقي أوسع نطاقا من مجال القانون الوضعي. ففي المجال الأخلاقي يكون الإنسان معنيا بواجباته نحو نفسه وغيره في واحد وهي تتضمن أيضا المقاصد والنوايا والغايات الأخلاقية، ولا تكتفي في الحكم على أعمال الأفراد بظاهر سلوكهم. أما دائرة القانون فهي لا تشمل إلاّ علاقات الإنسان مع غيره من الأفراد في المجتمع، دون أن تهتمّ كثيرا بواجبه نحو نفسه عداك عن أن القانون لا ينظر إلاّ مظاهر الفعل ولا يعني بقضايا النوايا والضمائر[36].

 وفي هذا السياق يمكن القول: بأن أكثر القوانين هي في الوقت نفسه قواعد خلقيّة في جوهرها. ويلاحظ في هذا السياق أن الفوارق بين الأخلاق والقانون تتقلص مع تطور المجتمع وارتقاء الحياة الإنسانية حيث تتحول القواعد الأخلاقية إلى قوانين وضعية مع دورة الزمن.

وتبين الملاحظات السوسيولوجية أن المجتمع يتضمن أنساقا كبيرة من القيم الأخلاقية التي مازالت خارج دائرة القوانين الوضعية مثل: القيم التي توصي بالعفة والصدق والأمانة والإخلاص والوفاء. ومع ذلك فإن كثيرا من المنظومات القانونية تسعى إلى تأخذ بعين الاعتبار بعض الدلالات الأخلاقية في مدوناتها القانونية، ” فإذا كان القانون لا يمنع الكذب بوجه عام، فهو يمنعه في حالات خاصة تبدو فيها خطورة الكذب على النظام الاجتماعي حدا يسمح بتوقيع جزاء عليه، ومثال ذلك شهادة الزور والتزوير، فكلاهما كذب له خصائص تميّزه عن غيره من الكذب([37]). وهناك ” قواعد قانونية لا تدخل في نطاق الأخلاق، مثل قاعدة المرور التي تأمر السائق بالسير على اليمين، والقواعد التي تنظم إجراءات التقاضي أمام المحاكم، من ناحية أخرى فهناك أمور يسمح بها القانون مع خروجها على الأخلاق كالربا”[38].

ويمكن لنا في النهاية الإشارة إلى طبيعة العقاب الذي يفرضه كل من القانون الوضعي والأخلاق، فالقانون يوقع العقاب المادي والمحسوس على المخالف أما العقاب في المجال الأخلاقي يكون في ممارسات أخلاقية تتمثل في احتقار المذنب وتأنيبه وازدرائه وتحقيره ونبذه اجتماعيا والحذر منه واستنكار الجريمة التي مارسها.

6/4- من القيم إلى الأخلاق:

كثيرا ما يجري الخلط بين القيم والأخلاق وغالبا ما يستخدم أحدهما في مكان الأخر. فالعلاقة بين المفهومين وشيجة وعميقة ومع ذلك من الضرورة بمكان تحديد طبيعة العلاقة بين المفهومين، فالقيمة الأخلاقية جزء من مفهوم الأخلاق لأن الأخلاق تمثل نسقا مترابطا من القيم التي تتكامل على نحو وظيفي. فلفظ القيمة الأخلاقية يعني الخير ونقيضه الشر، بحيث تكون قيمة الفعل فيما يتضمنه من خيريه أو ما نرى فيه من خيريه وكلما كانت المطابقة بين الفعل والصورة الغائية للخير كلما كانت قيمة الفعل اكبر.

للقيم أصناف كثيرة، فمنها ما هو اجتماعي واقتصادي وسياسي وتربوي وأخلاقي، وسنقف في تناولنا لمفهوم القيم في الجانب الأخلاقي تحديدا. ورغم هذا التنوع يجب أن نلاحظ أن مفهوم القيمة ينطوي في ذاته على طابع أخلاقي، وهذا الطابع يتجلى في المصادر اللغوية لهذا المفهوم، إذ نجد هذه السمة الأخلاقية في الأصل الأجنبي للغات الإنكليزية والفرنسية واللاتينية، فكلمة قيمة ترجمة (Value) في اللغة الإنكليزية وترجمة لكلمة (Valuer) في اللغة الفرنسية، والكلمة في مختلف أصولها تشير إلى معاني الحق والخير والجمال(1).

وجاء في معجم العلوم الاجتماعية أن القيمة هي « كل ما يعتبر جـديراً باهتمام الفرد وعنايته ونشدانه لاعتبارات اجتماعية أو اقتصادية أو سيكولوجية […] والقيم أحكام مكتسبة من الظروف الاجتماعية، يتشربها الفرد ويحكم بها وتحدد مجالات تفكيره وسلوكه وتؤثر في تعلمه. فالصدق والأمانة والشجاعة والولاء، وتحمل المسؤولية كلها قيم يكتسبها الفرد من المجـتمع الذي يعيش فيه وتختلف القيم باختلاف المجتمعات بل والجماعات الصغيرة(2).

ويؤكد ألفن Alven على الطابع الأخلاقي للقيم إذ يعرفها بأنها «معـايير خلقية وأفكار وأحاسيس تجريدية يحملها أفراد المجتمع وتعمل على تحديد طريقـة التفكير ونمط السلوك”. ويعتقد يونغ Young، في هذا السياق، أن القيم تستند إلى الأفكار والمعتقدات فيما هو مرغـوب فيه أو مرغوب عنه، فيما هو صواب أو فيما هو خطأ (3). فالقيمة هي « الحكم الذي يصدره إنسان ما على شيء ما مهتدياً بمجموعة من المبادئ والمعايير التي وضعهـا المجتمع الذي نعيش فيه والذي يحدد المرغوب فيه والمرغوب عنه من السلوك(4). والقيم في النهاية «أحكـام يصدرهـا الفرد بالتفضيل أو عدم التفضيل للموضوعات والأشياء وذلك في ضـوء تقييمه أو تقديره لهذه الموضوعات أو للأشياء، وباختصار هي « المبادئ التي يدين بها المجتمع ويحرص على غرسها أو يتحلى بها النشء كالأمانة والفضيلة »(5).

تبين هذه التعريفات أن مفهوم القيم الأخلاقية يتداخل مع مفهوم الأخلاق بطريقة كبيرة جدا. فالقيم، كما تبين التعريفات السابقة، نسق من المبادئ العليا والمثل الأخلاقية التي يهتدي به الفرد والمجتمع من أجل تحقيق الخير والفضيلة. ويمكن القول في هذا السياق أن القيم أشبه بالنجوم التي يهتدي بها الفرد دون أن يكون قادرا على لمسها. فالقيمة الأخلاقية دلالة أخلاقية، ومجموع القيم يعير عن النظام الأخلاقي في المجتمع، وهذا يعني أن العلاقة بين القيم والأخلاق هي علاقة الجزء بالكل، فالأخلاق هي الإطار العام للقيم الأخلاقية وعليه فإن نسق القيم يشكل المضمون الحقيقي للأخلاق كنظام قيمي في المجتمع.

5- مصدر القيمة الأخلاقية‏

تتنوع الاتجاهات الفكرية في تحديد مصدر الأخلاق والقيم الأخلاقية في المجتمع، ويجري هذا التنوع على منوال التنوع الأيديولوجي للنظريات الأخلاقية عبر التاريخ الإنساني. ومن الطبيعي أن يعمل هذا التنوع على إغناء النظرية الأخلاقية وإثرائها، إذ لا يستقيم أبدا أن تكون الأخلاق أحادية المصدر أو وحيدة الاتجاه، فثمة عوامل تاريخية وثقافية مختلفة تتفاعل وتتكامل في عملية تشكيل القيم الأخلاقية. فكل نظرية تضيء جانبا من جوانب الحياة الأخلاقية وتنير زاوية من زواياها، وبالتالي فإن النظر في الأخلاق من زاوية هذا التنوع والتعدد يغني فاهمة الإنسان ويخصب رؤيته في عملية إدراك أعمق واشمل للظاهرة الأخلاقية. ويمكننا أن نستعرض أهم التيارات الفكرية التي تناولت الظاهرة الأخلاقية من حيث مصدرها:

1/5- الاتجاه الديني: يعتقد أصحاب هذا الاتجاه أنَّ الدين هو المصدر الأساسي للتشريع الأخلاقي والقيمي، وأن الأخلاق تستمدُّ مشروعيتها من أوامر الدين ونواهيه وتشريعاته ‏([39]). فالأخلاق وفقا لأصحاب هذا التيار تنبثق عن المعتقدات الدينية؛ فالدين يمتلك قوة هائلة في توليد الأحكام الأخلاقية لدى الأفراد والجماعات. ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن الديانات القديمة قد أسَسَت لمدوّنات قانونية دقيقة تنظم السلوك وتوجه القرار فيما يخصّ الواجبات الخلقية ، وهذا ما يمكن أن نجده لدى الدينات الآشورية، والبابلية ، والمصرية، والكلدانية، والإغريقية، كما في الديانات الوضعية، كالكونفوشيوسية، والمزدكية والمانويّة ، والهندوسية، والبوذية.

لقد جاءت الديانات السماوية مضمخة بعبق القيم الأخلاقية ، فكانت الأخلاق مبتدأ هذه الديانات وخبرها، وتأخذ الرسالة الأخلاقية في الإسلام دورتها الإنسانية العظمى، وتتجلى هذه الرسالة في قول النَّبِيِّ الأكرم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ “. وكان الإسلام كالديانات السابقة يتضمن دعوة أخلاقية متكاملة الأركان شملت أعظم وأسمى وأرقى الفضائل الإنسانية التي تشد الإنسان إلى أخيه الإنسان، فاستطاع بقيمه الأخلاقية أن ينتشر في أصقاع الأرض ومضاربها انطلاقا من سمو القيم التي نادى بها وأعلنها. وكذلك هو حال الدينات السماوية والوضعية التي جاءت فرسخت القيم الأخلاقية في الإنسانية فوهبتها معنى الحياة وقيمة السمو الأخلاقي.

2/5- الاتجاه المثالي: ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن الأخلاق قيم مجردة تأخذ طابع مثل كونية كامنة في النفس كمون النار في الحجر، فهي تنتسب إلى عالم علوي سماوي حيث تحلق النفس والروح الإنسانية قبل الحلول في الجسد. ويعد أفلاطون زعيم هذا النزعة المثالية في نظريته حول المثل حيث كان يميز بين العالم الواقعي وعالم المثل الذي تكمن فيه القيم الخالدة للحق والخير والجمال ويتربع عرش هذه المثل مثال الخير الذي يمثل مطلق الوجود وغايته. فالأخلاق وفقا لهذه الرؤية تمثل عقلا كونيا منطلقا خارج دائرة الوجود المادي. وهذا يعني أن الأخلاق قائمة في الروح والعقل الذي يشكل موطن القيمة الأخلاقية ومعقلها.

3/5- الاتجاه العقلي: ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن العقل مصدر الأخلاق ويعد سقراط زعيم هذه النزعة العقلانية في الأخلاق، حيث ربط جوهريا بين الخير والمعرفة ووجد بأن المعرفة هي موطن الخير وأن العقل مصدر الفضيلة بالمطلق فمن عرف الخير استجاب لمتطلباته استجابة عفوية مطلقة وضرورية. وفي العصور الحديثة يعد كانط من أبرز رواد هذا الاتجاه حيث يرى بأن الأخلاق تصدر عن العقل الكلي الكوني المتمثل في مطلق الواجب ومتطلباته العليا. فالعقل يشكل وفقا له مصدر القيمة الأخلاقية لا بل هو عينها وذاتها.

‏ 4/5- الاتجاه الاجتماعي: يرتسم هذا الاتجاه في النظرية الاجتماعية عند دوركهايم الذي يعدّ أفضل ممثل للاتجاه الاجتماعي في الأخلاق. فالمجتمع وفقا لهذه النظرية يشكل مصدر الأنظمة الأخلاقية إذ تنبع القيم الأخلاقية من دواعي الحياة الاجتماعية ومتطلباتها، ويؤمن أصحاب هذا الاتجاه بأن الأخلاق نسبية وهي تتغير بتغير المجتمعات وتتنوع بتنوع الأنظمة الاجتماعية. فالأخلاق ترتبط بالحياة الاجتماعية وتنبثق من صلب التفاعلات الاجتماعية حيث يقوم كل مجتمع بفرض قيم ومعايير أخلاقية تنسجم مع طبيعته الاجتماعية وتتناغم مع فلسفته الأخلاقية.

5/5- الاتجاه الطبيعي: يرى أصحاب هذا الاتِجاه أنَّ الطبيعة الإنسانية تشكل المصدر الحيوي للأخلاق، ويعد كونفوشيوس فيلسوف الصين العظيم (551 ق.م 478 ق.م) من أبرز المفكرين الذين نظروا للأخلاق بوصفها نتاجا للطبيعية، وأسسوا للتربية الأخلاقية بوصفها تربية بموجب الطبيعية. يقول كونفوشيوس في هذا الخصوص: الطبيعة هي ما منحتنا إيّاه الآلهة، والسير بمقتضى شروط الطبيعة هو السير في صراط الواجب، وإدارة هذا الصراط وتنظيمه هو القصد من التربية والتعليم [40].

وينقسم أصحاب هذا التيار إلى ثلاثة تيارات: يرى أصحاب التيار الأول أن الطبيعة الإنسانية شريرة، وأن الشر كامن في جبلّة الإنسان وفطرته، فالشر أصيل في الإنسان كما يرى جون لوك وتوماس هوبز، وهما من أبرز رواد هذا الاتجاه ؛ أما أصحاب التيار الثاني فيرون أن الطبيعة الإنسانية خيرة، وأن الخير كامن فيها بالضرورة، ويتزعم هذا الاتجاه ابن طفيل الأندلسي وجان جاك روسو وكونفوشيوس. أما أصحاب التيار الثالث والأخير، فيرون بأن الشر والخير كلاهما ماثل في الطبيعة الإنسانية، وأن الأخلاق تصدر عن الصراع بين قوى الخير والشر الكامنة في الطبيعية الإنسانية. فالشر يكمن في الرغبات والشهوات بينما يكمن الخير في العقل والروح والضمير الإنساني، والخير مرهون بانتصار العقل على الشهوة في الوقت الذي يرتهن فيه الشر بانتصار الشهوة، فالخير والشر يتأتيان من طبيعة الصراع بين الجوانب الخيرة والشريرة فأي بين العقل والشهوة ويعد أفلاطون من أبرز ممثلي هذا الاتجاه الثنائي للصراع بين الفطرتين.

6/5- الاتجاه النَّفسي السيكولوجي: يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الأخلاق تصدر عن البنية النفسية للإنسان، وهي متأصلة في هذه البنية بما تنطوي عليه من تفاعلات وديناميات سيكولوجية، ومن أبرز أصحاب هذا التيار، يشار إلى فرويد زعيم مدرسة التحليل النفسي، الذي يوظف الطاقة الرمزية للأساطير في تفسيره السيكولوجي لنشأة الحياة الأخلاقية وتطورها.

ويجب علينا هنا أن ننظر إلى هذه التيارات في نسق تقاربها وتكاملها وليس في صورة انفصالها وتضاربها، فالحقيقة التي تقدمها كل نظرية قد لا تتعارض مع الحقائق التي تقدمها النظريات المخالفة لها ولاسيما إذا نظرنا إلى التباين والاختلاف والتناقض من منظور عقلاني يتسع في قدرته على تحليل التكوينات الفكرية لهذه الاتجاهات، واستكشاف التقاطعات الحيوية بين غاياتها وتجلياتها. ففي مضمون كل اتجاه ما يغني الاتجاه الآخر ويثريه ويؤصله وذلك إذا استطعنا أن ننظر بمنظور شمولي ونقدي إلى الجوانب المختلفة لهذه التيارات والاتجاهات.

7/5- الاتجاه النفعي البرغماتي: يعتقد أصحاب هذا الاتجاه منذ عهد أرستيب وإبيقور ، بأن اللذة هي صوت الطبيعية، وإن إشباع الميول والرغبات هي مصدر السعادة، وأن السعادة بإشباع الميول رهينة. وقد تطورت هذه الرؤية في التركيز على مبدأ اللذات العقلية والروحية فوضعوا لها تصنيفات وحدود رائعة في تناسقها وإعجازها. ويمثل هذه الرؤية في العصر الحديث بنتام وأصحاب النزعة البرغماتية الذين يعتقدون بأن تحقيق التوازن بين الإنسان والوسط عبر تحقيق إشباع الحاجات الإنسانية الضرورية يشكل المصدر الحقيقي لكل القيم الأخلاقية والإنسانية.

6- جوهر المسألة الأخلاقية:

تأخذ المسألة الأخلاقية صورة الصراع الأبدي بين الخير والشر، بين الفضيلة والرزيلة، بين الشهوة والعقل، بين الجسد والروح، بين الحق والباطل، بين الظلمة والنور، كما بين العالم العلوي والعالم السفلي. وتلك هي الحقيقة التي تشكل نقطة التقاطع بين مختلف التيارات الفكرية والفلسفية على الرغم من اختلافها وتباينها وتباعدها. فالأخلاق أيا كان مصدرها، أرضيا أم سماويا، نفسيا أم سوسيولوجيا، دينيا أم وضعيا، وجوديا أو برغماتيا، غربيا أو شرقيا، قديما أم حديثا، هي انتصار للفضيلة واندحار لقوى الشر والطغيان والرزيلة. إنها الحالة التي يخرج فيها الإنسان من دائرة المصالح الضيقة إلى دائرة المصالح الاجتماعية أو العليا المحكومة بقوانين الحق والواجب والفضيلة والضمير والقيم.

هذه الصورة الأخلاقية للصراع بين الخير والشر تبرز بوضوح في الديانات الوضعية القديمة، وتظهر هذه الفكرة على أشدها في الزرداشتية التي تنطلق من وجود قوتين كونيتين تتمثل الأولى في قوة (أهورا مزدا) التي ترمز إلى النور والخير والحكمة، وتتمثل الأخرى في قوة (أهريمان) التي ترمز إلى الظلام والشر والرذيلة[41]. والأخلاق هي نتاج لانتصار قوى النور والحق والحكمة على الجهل والظلام والرزيلة. ويرتسم مفهوم الصراع بين ثنائية الخير والشر في المانوية التي ترى بأن العالم ينتظم في مملكتين: مملكة الخير والنور ومملكة الظلام والشر. وأن المعرفة هي التي تتيح للإنسان أن يحقق الخير وينتصر على الشر. إن ما يجمع المانويين والزرادشتيين والغنوصيين هو أن الشر يتجلى في المادة وأن الخير يتجسد في الروح وفي انتصار الروح على المادة يتحقق الخير المطلق.

وتتجلى حقيقة هذا الصراع في الأخلاق البوذية حيث اعتقد بوذا بأن الإنسان الذي يستطيع أن ينتصر على جسده وملذاته يستطيع أن يتحد بـ”النرفانا”، و”النرفانا” هي حالة الانتصار المطلق على الشهوة وهي حالة من السعادة والنشوة الروحية الخالصة التي يصلها الإنسان المؤمن الذي انتصر وإلى الأبد على مقتضيات الجسد ودواعي الشهوة.

وقد أقرّ سقراط مبدأ الصراع بين المعرفة والجهل حيث تأخذ المعرفة صورة الخير بينما يأخذ الجهل صورة الشر، ومن هذا المنطلق اعتقد بتوأمة المعرفة والفضيلة، فالفضيلة معرفة وكذلك المعرفة فضيلة بذاتها وهذا ينطبق على العلاقة ما بين الجهل والخطيئة، فالجهل توأم الشر والشر عين الجهل وذاته. فالمعرفة هي التي توجه الإنسان إلى الفضيلة، ومن غير المعرفة تصبح الفضيلة فعلا بهيميا لا ينطوي على أي قيمة أخلاقية. فالمعرفة هي التي تكسب الفعل الإنساني خاصته الأخلاقية ومن غير معرفة يستحيل أن نتحدث عن فضيلة أخلاقية([42]).

أراد سقراط أن يصلح ما أفسده السوفسطائيون وأن يعيد إلى العقل ثقته بالحقيقة والفضيلة. فالسوفسطائيون كانوا يرون بأن النفس شهوة وهوى أما سقراط وعلى خلاف ذلك كان يرى أن الإنسان روح وعقل يسيطر على الحس ويعقله. وبالتالي فإن الإنسان بوصفه كينونة عاقلة يبحث عن الخير والفضيلة ويستلهمهما وهو وفقا لهذه الطبيعة العاقلة يرفض الرذيلة والخطيئة. فالجهل بذاته يولد الخطيئة والرذيلة، أما المعرفة الحقّة فهي التي تولد فينا حب الخير والسعي إليه.

ويتجلى مبدأ الصراع بين الخير والشر في فلسفة أرسطو الأخلاقية إذ يرى بأن الفضيلة لا تكون إلا باجتماع عقل وشهوة، وتتحقق بانتصار العقل على الشهوة وهذا يعني أن الله سبحانه وتعالى خلق الملائكة من عقل بلا شهوة، وخلق الحيوان من شهوة بلا عقل، وركب الإنسان من كليهما، فإن انتصر الإنسان على شهوته ارتفع فوق مصاف الملائكة، وإن انتصرت شهوته عليه انحدر إلى ما دون البهائم([43]). فالشهوة هي المادة، والعقل هو الصورة. ولا بد للصورة من مادة، وبهذا المعنى لا تتحقق الفضيلة إلا من خلال انتصار العقل على الشهوة([44]).

وهذه الفكرة حول الصراع تأخذ مداها في الديانات السماوية (اليهودية والمسيحية والإسلام) التي تقرّ بأن الخير رهين بانتصار العقل على الشهوة والرغبة، لأن الشهوة هي مصدر كل فعل آثم ووضيع. فالذنوب والآثام ناتجة عن انتصار القوى المظلمة في النفس الإنسانية، وكذلك فالخير رهن انتصار العقل والحكمة والدين على متطلبات الشهوات والرغبات والميول.

خلاصة:

حاولنا عبر دراستنا هذه أن نقدم تصورات واضحة عن إشكالية المفهوم الأخلاقي في تجلياته الإنسانية المختلفة وفي دلالاته الاجتماعية المتنوعة. وحاولنا أن نقدم إجابات عن الأسئلة التي طرحناها حول إشكالية المفهوم التي تمثلت في التداخل والتقاطع بين مفاهيمه الفرعية، وتمّ لنا تحديد الأبعاد والتخوم وإضاءة الجوانب الغامضة وفي منهج نظمي ساعد على استكشاف التناسق والتكامل بين المفاهيم المتداخلة والغامضة، فتمت عملية إضاءة الغامض وتحديد التخوم وفك الاشتباك بين مختلف عناصر ومكونات المفهوم الأخلاقي في المستويات الفلسفية والأخلاقية والاجتماعية.

وقد تضمنت محاولتنا هذه تقديم صورة بانورامية شاملة اكتملت فيها الأبعاد الجغرافية وارتسمت عبرها الخرائط الفلسفية لأهم المفكرين والباحثين والفلاسفة الذين تناولوا المسألة الأخلاقية بالدراسة والتحليل. وفي سياق هذه الرؤية الشمولية للأخلاق تناولنا المفهوم بدلالاته الاشتقاقية في الثقافتين العربية والغربية كما تناولناه في أبعاده الفكرية ضمن دائرة الثقافتين محاولين استكشاف أبعاد هذا المفهوم وتجلياته المعجمية والفكرية في محطات متتابعة ومتعاقبة. ومن ثم أفردنا تناولا منهجيا لأهم المكونات الأساسية لمفهوم الأخلاق، ولاسيما مفهوم الحق والضمير والخير والواجب، وبحثنا في طبيعة العلاقة بين هذه المفاهيم، فأضأنا الجوانب الغامضة في بنيتها وتم إعادة ترسيم الحدود بين تخومها وذلك في ضوء الدراسات والمقولات والنظريات القائمة في هذا الميدان.

وقد ترتب علينا في النهاية أن نفرد حقلا خاصا استعرضنا فيه أهم التيارات الفكرية في مجال الأخلاق، حيث تناولنا التيارات والنزعات الأخلاقية المثالية والمادية والعقلية والاجتماعية والنفعية والسيكولوجية، وفي سياق هذا التناول أبرزنا ما هو جوهري وأساسي في هذه النزعات والتيارات الفكرية.

وفي النهاية نأمل أن تكون محاولتنا هذه قد أحاطت بمختلف جوانب المسألة الأخلاقية من حيث الإيضاح والتصنيف والتناول المنهجي آملين أن تكون هذه المحاولة قد أدت الغرض الأساسي المتمثل في تقديم صورة واضحة لمفهوم الأخلاق بتجلياته وأبعاده ومضامينه في ضوء رؤية معاصرة.


هوامش ومراجع : 

[2] – المعجم الوسيط: (مادة خلق).

[3] – محمد علي التهناوي، كشاف اصطلاحات العلوم والفنون، مكتبة لبنان، بيروت، 1996.

[4] – محمد عابد الجابري، العقل الأخلاقي العربي، دراسة تحليلية نقدية لنظام القيم في الثقافة العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2001، ص 33.

[5] – القاموس المحيط، فصل الخاء: باب القاف، ص 236

[6] – لسان العرب، مادة: خلق، حـ2، ص 1244-1245.

[7] – محمد عابد الجابري، العقل الأخلاقي العربي، مرجع سابق، ص 37.

[8] – أبو حامد الغزالي، إحياء علـوم الدين ـ دار المعرفة للطباعة والنشـر ـ بيروت ـ د. ت ـ ج 3 ـ ص53.‏

[9] – ابن مسكويه، تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، ط2، تقديم حسن تميم دار مكتبة الحياة للطباعة والنشر، بيروت. ص 51.

[10]– Grawitz, Madelin: Lexique des sciences sociales, Dalloz, Paris,1983.p. 144 et p.256.

[11] – Ricoeur P., Avant la loi morale, l’éthique , Encyclopedia Universalis, Les enjeux, 1988, p. 42-45.

[12] – Philippe Meirieu, Éduquer: un métier impossible ? ou « Éthique et pédagogie », Conférence prononcée à Montréal le mercredi 27 mai 1992, dans le cadre du congrès Collèges célébrations 92. Pédagogie Collégiale Septembre, Vol. 6 n° 1, 1992.

[13] – المدخل إلي الفلسفة، علي عبد المعطي محمد، دار المعرفة الجامعية، 1999، ص407.

[14] –Eduard von Hartmann, « L’Axiologie et ses divisions (Revue de la France et de l’étranger 1890, juillet – décembre, vol. XXX, pp. 466-479.)

[15] –Eduard von Hartmann, « L’Axiologie et ses divisions , Même source

[16] – Wikipedia: L’encyclopédie libre, http://fr.wikipedia.org/wiki/Axiologie (Axiologie).

[17] – Henri ISAAC , Samuel MERCIER , Ethique ou déontologie: Quelles différences pour quelles conséquences managériales ? L’analyse comparative de 30 codes d’éthique et de déontologie , -Ixième conférence internationale de management stratégique- ” perspectives en management stratégique ” aims 2000 – Montpellier – 24-25-26 Mai 2000.

[18] – عبد السلام محمد نجادات، الأخلاق بين الفلاسفة المسلمين والفلاسفة اليونانيين، دراسة مقارنة، مجلة علوم إنسانية، العدد 40، السنة 6، شتاء 2009، http://www.ulum.nl.

[19] – انظر : ول ديورانت ، قصة الفلسفة ، ط5، مكتبة المعارف بيروت ، 1985 ، الفصل السادس : نقد العقل العملي عند كانط صص 349-353.

[20] – انظر : جان جاك روسو، إميل، ترجمة عادل زعيتر، الكتاب الأول، دار المعارف، القاهرة، 1956.

[21]– بول منرو، المرجع في تاريخ التربية، الجزء الأول، ترجمة صالح عبد العزيز و حامد عبد القادر، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1949، ص 19.

[22] – وهبة، مراد، المعجم الفلسفي، طبعة ثالثة، دار الثّقافة الجديدة، القاهرة، 1979، ص247.

[23] – أحمد ابو زايد، الضمير، الموسوعة العربية، المجلد الثاني عشر، http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=159404

[24] – مدكور، إبراهيم، المعجم الفلسفي، مجمع اللغة العربيّة، جمهوريّة مصر العربيّة، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، القاهرة، 1983، ص، 110.

[25] – كون، ايغور، معجم علم الأخلاق، ترجمة توفيق سلّوم، دار التقدم، موسكو، 1984، ص 248.

[26] – لجنة من العلماء والأكاديميّين السّوفياتيّين، بإشراف، روزنتال. م، ويودين.ب، ترجمة، سمير كرم، الموسوعة الفلسفية، دار الطّليعة، بيروت، الطبعة الرابعة، 1981، ص، 282.

[27] – أحمد ابو زايد، الضمير، الموسوعة العربية، المجلد الثاني عشر، http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=159404

[28] – سيغموند فرويد، “علم النفس الجمعي وتحليل “الأنا”، دار الطليعة، بيروت 1979.

[29] – محمد إبراهيم المنوفي، نحو فلسفة تربوية لمواجهة ظاهرة الاستبداد السياسي، دراسات تربوية، صادرة عن رابطة التربية الحديثة، المجلد العاشر، جزء79، صص(97-176)، ص109.

[30]– بدوي عبد الرحمن، موسوعة الفلسفةج1، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1984.

[31] – معن زيادة، الموسوعة الفلسفيّة العربيّة، معهد الإنماء العربي، المجلّد الأوّل، الطبعة الأولى، معهد الإنماء العربي، بيروت، 1986.

[32] – عبد الرحمن بدوي ، فلسفة الدين والتربية عند كانط ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، 1980، صص151-154.

[33] – ول ديورانت ، قصة الفلسفة ، مرجع سابق ، ص 351.

[34] – صديق محمد عفيفي، أخلاق المهـنة لدى المعلم، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، القاهرة 2005، ص 52.

[35] – عيسى محمد بوراس، القاعدة القانونية والقاعدة الأخلاقية، موقع veecos.net، الأربعاء, 28 يناير 2009.

[36] – عيسى محمد بوراس، القاعدة القانونية والقاعدة الأخلاقية، المرجع السابق.

[37] – عيسى محمد بوراس، القاعدة القانونية والقاعدة الأخلاقية، ، المرجع السابق.

[38] – عيسى محمد بوراس، القاعدة القانونية والقاعدة الأخلاقية، ، المرجع السابق.

(1) Millaret Guston, Vocabulaire de l’éducation, PUF, Paris, 1979, P.453

2 بدوي ـ أحمد زكي، «معجم العلوم الاجتماعية» مكتبة لبنان، بيروت، 1978، ص439.

3 مائسة الأفندي، المؤثرات الاجتماعية والاقتصادية لتعليم المرأة، دار العلوم، الرياض، 1983، صص90 ـ 95.

3 – فوزية دياب، القيم والعادات الاجتماعية، دار النهضة المصرية، القاهرة، 1980 (ص44)، (ص52).

2 – محمود السيد، محاضرات في المناهج والكتاب المدرسي، جامعة دمشق، دمشق، 1985.

[39] – عزت السيد أحمد، فلسفة الأخلاق عند الجاحظ منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق ـ 2005، ص 66 و67.

[40] – علي أسعد وطفة، سعد الشريع، التربية تاريخا والفكر التربوي تطورا: معاينات في جدل الواقع والنظرية، مطبعة الفيصل 2005، ص 64.

[41] – يوحنا بيداويد، مفهوم الخير و الشر عبر التاريخ، الجزء الأول، ، ملبورن، أيلول، 2008.

[42]– فرانسيس ولف، سقراط، ترجمة منصور القاضي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، 2002.

[43] – فرناند ليلوت، حل معضلة الحياة، المطبعة الكائوليكية، بيروت، ص26

[44]– R. A. Gauthier, La Morale d’Aristote, Paris, 1958; 2e éd. 1962.

Ayoub AddaQ

" قد يعيش الإنسانُ عمره بين بحارِ الكتب وعوالم المعرفة ويصل أحيانًا إلى الشك . "

إرسال تعليق

شكرا لك 🌙💜

أحدث أقدم